"وحدة وتوهان.. وحيدًا في وجه الطوفان"​
Google

"وحدة وتوهان.. وحيدًا في وجه الطوفان"

كتب: طارق عصام

بدأت في عشق الصمت ونسيان الكلمات، بعد أن كنت مرحًا لا أتفوه إلا بالنكات.. أصبحت أشعر

بالضيق وكم الغباء الذي كنت أعيشه، أشعر بعجز العجوز الذي ينظر إلى هاتفه الجوال منتظرًا من يعطف ويحن عليه ويطلبه، فهو بلا ولد ولا ابنه ولا زوجه ولا قريب أو بعيد يشفق على كبر سنه وشيخوخته.

الشعر الأبيض، والملابس قديمة الطراز تدل على شيخوخة وقورة، يجلس في قهوة متواضعة بجوار شباكها الصغير بمنطقة المنشية بالإسكندرية، يمسك الشيشة بيده وينفخ منها شعوره بالوحده... فتساءلت في خاطري، أين أبناؤه ؟!، أين زوجته ؟!، أين رفيقه ؟!.

وحيدًا، سارح في نظراته، وأمامه "لوح الطاولة" موضوع بجانبها "فنجان" القهوة، جالس منتظرا الرفيق الذي يتبادله اللعب ولكن رفيقه تأخر عليه، ولكن أي رفيق ينتظر ؟!، لكبر سنه وشيخوخته جعلني أعتقد أنه وحيدًا وان رفيقه الذي ينتظره لن يأتي. 

أعتدل في مجلسه، أعد الطاولة "اللعبة" للعب وبدأ بمفرده في تحريك النرد، كأنه يلاعب ظله.. وسط صمتي ووحدتي، نظرت إليه وتمنيت أن أشاطره وحدته باللعب معه ولكني حينها لم أكن ملم  بطريقة اللعب.. كلًا منا في مكانه، ولكني أفكر جديًا في القيام والجلوس معه وأشاطره الحديث.

خارج نافذته الصغيرة التي يطل منها على عالمه الكبير، جلس مجموعة من الشباب أسفل منها يضحكون ويلعبون "الطاولة" أيضًا، نظر إليهم وسرح في أفكاره، متذكرًا الماضي من أيامه، نظر أمامه كأنه يتحدث إلى دنياه، التي تسير به إلي المجهول، فهو بالأمس كان شاب مثلهم يجلس وسط اصدقائه، واليوم هو وحيدًا شريد الذهن، لا يوجد من يرافقه ويسحبه من وحدته.

وبعد ساعة وربع الساعة من الوقت وكثيرًا من التفاصيل التي تحيط بهذا العجوز، أخيرًا، وصل صديقه، وصل المنقذ الذي أنقذه من الغرق في بحر وحدته، واستطاع إخراجه من صمته، وبدون أن يتحدثا، بدأا اللعب مباشرة.


لعرض أو إضافة تعليق، يُرجى تسجيل الدخول